- By food-experts
- October 19, 2025
- No Comments
التسويق بين الوهم والواقع… وأين تبدأ؟
التسويق بين الوهم والواقع… وأين تبدأ؟
أحمد سمير رجب – خبير تسويق غذائي، مؤسس ومدير شركة فوود اكسبرتس
في عالم المطاعم والصناعات الغذائية، يتكرر نفس السؤال: كيف أسوّق؟ لماذا انخفضت المبيعات؟ ما هي الخطة التي تعيدني إلى المنافسة؟
والحقيقة أن الإشكال ليس في السؤال ذاته، بل في طريقة التفكير التي تختزل التسويق في إعلان عابر أو منشور على وسائل التواصل. بينما التسويق في جوهره رحلة تبدأ من السوق وتنتهي في قلب المستهلك.
وهنا أؤكد أن الخطوة الأولى دائمًا أن تعرف السوق قبل أن يعرفك. كيف تطلب من السوق أن يفهمك وأنت لم تفهمه؟ كيف تنتظر من الناس أن يعرفوك وأنت لم تقترب لتعرفهم؟ السوق ليس ساحة عشوائية، بل شبكة من العقول والتجارب والتوقعات. إذا لم تفك شفرته وتدخل بلغته، فلن يُقابلك إلا بالتجاهل.
ولهذا، قبل أي دعاية أو خطة، لا بد أن تُطرح أسئلة جوهرية: من هو الذي يريد منا هذه الخدمة أو المنتج؟ ما هو المنتج أصلًا وما الحاجة التي يلبيها عند المستهلك؟ كم حجم السوق الحقيقي؟ كم عدد الناس الذين يحتاجونه فعلًا “حجم السوق و هاخد منه قد ايه”؟ وما أنواعهم وتقسيماتهم الجغرافية والديموغرافية؟ كيف يعيشون وما أسلوب حياتهم؟ وبعد أن نفهم ذلك بدقة، يجيء السؤال التالي: ما تكلفة الوصول إليهم بالمنتج أو بالخدمة والفروع؟ وما تكلفة الوصول إليهم كرسائل وإعلانات؟ وهل بعد أن نصنع المنتج ونوزعه وندفع تكاليف التشغيل والإيجارات والتسويق سنظل قادرين أن نقول إننا نربح؟ أم سنكتشف متأخرًا أننا نحارب معركة خاسرة منذ البداية؟
ثم تزداد القسوة حين نواجه سؤال المنافسة: إذا نجحنا فعلًا، هل سيدخل منافس قديم، راسخ في السوق، يقلّدنا بسهولة ويستغل جهازه الإنتاجي والبيعي والتسويقي الجاهز ليأخذ منا السوق الذي فتحناه؟ وهل تكلفة دخول هذا السوق منخفضة لدرجة تغري العشرات بالدخول بعدنا فنجد أنفسنا أول الخارجين؟
أخطر ما يواجه المطاعم و الصناعات الغذائية هو لحظة انخفاض المبيعات. هنا تبدأ الأعذار: الزبون تغيّر، السوق أصبح صعبًا، المنافسون أكثر شراسة. بينما الحقيقة أبسط وأقسى: الإدارة لم تجدّد دراستها للسوق ولم تجدّد فهمها له، تجربة العميل توقفت عن التطور، الأسعار لم تعد تعكس قيمة حقيقية، أو ربما الخطة غابت تمامًا وحلّ محلها الارتجال.
الخطة التسويقية الناجحة ليست مئات الصفحات، بل يمكن أن تُكتب في صفحات قليلة إذا أجبنا بصدق عن الأسئلة الكبرى: من هو عميلنا؟ ما الذي يميزنا؟ كيف سنصل إليه؟ ما الرسالة التي ستبقى في ذهنه؟ وكيف سنقيس نجاحنا؟
وفي النهاية، النجاح في التسويق ليس سرًا غامضًا ولا وصفة سحرية. إنه ببساطة الصدق مع السوق: أن تعرفه قبل أن يعرفك، وأن تفهمه قبل أن تطلب منه أن يفهمك. وبعدها تتحرك بواقعية وفقًا لقدراتك، وألّا تدخل سوقًا أكبر من طاقتك أبدًا.